نظام الشهر العيني



 الفرع الثاني: نظام الشهر العيني
نظام الشهر العقاري العيني هو أرقى ما وصل إليه الفكر القانوني في مجال المعاملات والتصرفات العقارية، " إنه نابع من النظام الألماني للسجل العقاري حيث ينشأ -عن ترقيم السجلات العقارية (السجل العقاري) -طابع مؤسس للحق.
وخلافا للقانون الفرنسي فإن الإشهار هو عنصر أساسي في نقل الملكية.
وخلاصة القول هو أن شكلية الإشهار ليست شكلية فرعية تتبع الأصل وإنما شكلية جوهرية ضرورية ولا بد منها لوجود الحق" ([1]).
فالشهر العيني (Publicité Réelle) هو " شهر يتم على أساس الأعيان لا الأشخاص"([2]).
وهو يقوم على المبادئ التالية: مبدأ التخصيص، مبدأ الشرعية، مبدأ الحجية المطلقة (القوّة الثبوتيّة للشهر)، مبدأ عدم سريان التقادم.
ولا يمكن تصور قيام نظام الشهر العيني العقاري، بمعزل عن هاته المبادئ.
وتهدف التشريعات والقوانين العقارية في ظل نظام الشهر العيني إلى وضع هوية للعقارات بحيث يكون لكل عقار هوية خاصة تميزه عن باقي العقارات،
ويتم الشهر طبقاً للعقار كهوية ووحدة قائمة بذاتها مستقلة عن الأشخاص بحيث يصبح موقع العقار وتعيينه وتحديد هويته بدقة هو المحور والقاعدة الأساسية للشهر العقاري.
والفكرة الجوهرية فيه أن يقسم إقليم الدولة إلى ولايات أو مقاطعات، والولايات إلى بلديات وتقسم هذه الأخيرة إلى أقسام (sections) بحيث تعرف هذه الأقسام بالأرقام: قسم 01، قسم 02، وهكذا..، كما تجزأ الأقسام إلى أجزاء (مجموعة ملكية-Ilot de propriété) وهي الوحدات العقارية الدنيا، وتعرف كذلك بالأرقام التصاعدية واسم الحي أو الشارع أو المكان المسمى، بحيث تتميز وتستقل كل وحدة عقارية عن الأخرى بموقعها ورقمها الخاص (وهو رقم القسم ورقم مجموعة الملكية) بالإضافة إلى اسم البلدية والحي.... إلخ.
ولأجل تجسيد نظام الشهر العيني، يتم إنشاء السجل العقاري المتكون من بطاقات عقارية ودفاتر عقارية، بحيث أن كل بطاقة عقارية (أو الدفتر العقاري الذي هو مطابق لها([3])) تمثل وحدة عقارية أو هي صورة مجسدة ومقابلة للعقار في ميدان الواقع، إذ تشتمل على كل البيانات المتعلقة بالعقار وهويته كنوع العقار، موقعه، مساحته، مراجع مسح الأراضي، أصل الملكية، اسم مالكه أو مالكيه المتتابعين وجميع الحقوق المترتبة عن الملكية.
وفي هذا النظام يتيسر تدوين كل ما يرد على العقار مستقبلا من تصرفات قانونية وما يثقله من أعباء وحقوق وتغيرات مادية على البطاقة العقارية والدفتر العقاري.
بحيث يكفي، لمن يريد معلومات عن عقار ما، الاطلاع على بطاقته العقارية وكذلك على الدفتر العقاري.
حيث تحفظ وترتب البطاقة العقارية لدى مصلحة الشهر العقاري (المحافظات العقارية) ويسلم الدفتر العقاري إلى مالكه ويبقى في حيازته كسند للملكية، وفي حالة انتقال ملكية العقار إلى مالك جديد تنتقل كذلك حيازة الدفتر العقاري إلى هذا المالك الجديد.
ومنه يمكننا أن نصل إلى النتيجة أو المعادلة التالية التي يتلخص فيها مفهوم هذا النظام:

  وحدة عقارية (توجد في الواقع )= بطاقة عقارية( لدى المحافظة العقارية)= دفتر عقاري( في حيازة المالك).
ويتمتع الشهر العيني بالحجية المطلقة والكاملة، وبه ينشأ وينتقل الحق العيني العقاري وليس بالعقد، فالعقد في ظل هذا النظام ينشئ التزام ولا ينشئ الحق العيني ([4]).
والملاحظ أن الشهر العيني يطهر التصرفات من كل عيب أو خطأ ويرجع ذلك إلى السلطات والصلاحيات التي منحت للقائم بالشهر (المحافظ العقاري أو أمين السجل) حيث تشمل مهمة محرر العقد كالتحقق من هوية وأهلية الأطراف، والتأكد من صحة التصرف وخلوه من العيوب وضرورة توافر أركان العقد بصفة عامة، بالإضافة إلى وظيفة التحقيق والفحص الدقيق والمراقبة كعدم مخالفة التصرف للنظام العام والآداب العامة، والتأكد من آنية الحق، إلخ ([5]).
ويمتاز هذا النظام بما يلي:
-  يوفر الطمأنينة لكل من يريد أن يتعامل في عقار ما.
-  عدم الوقوع في عيوب تشابه الأسماء لأنه يعتمد على هوية العقار ذاته وليس على هوية الشخص.
-  في ظله يتم حصر وتحديد وضبط لكافة العقارات في طابعها المادي مما يضمن عدم التجاوز والاستلاء.
-  يؤدي إلى استقرار الملكيات العقارية وتوفير عنصر الثقة ويعزز الائتمان والرهون العقارية...إلخ، وغيرها من المميزات والأهداف ([6]).
عيوبه:
يذكر فقهاء القانون العقاري أن عيب نظام الشهر العيني يكمن فيما يتطلبه من جهود بشرية ووسائل مادية ضخمة لمسح عام وشامل لإقليم الدولة، حيث يتطلب تكوينا نوعيا وعددا معتبرا للإطارات والكفاءات البشرية والتي تُعد السند القوي لقيامه.
كما يتطلب جهدا ماديا كتوفير وسائل حديثة ومتطورة لقياس مساحات العقارات وتحديدها ماديا وقانونيا (أجهزة قياس، تصوير، طائرات، أقمار صناعية، وسائل التحقيق العقاري)، وهو ما يثقل كاهل الخزينة العمومية وهو أيضا يستوجب-لهذه الأسباب-مدة طويلة لتحقيقه.
كما أن هناك عيب آخر في هذا النظام، وهو عيب مشترك مع النظام الشخصي ويتمثل في اتخاذ أسلوب البطاقات، حيث أن البطاقة العقارية معرضة للضياع والإتلاف النهائي بسبب التمزيق أو الحريق أو تتعرض للضياع المؤقت كعدم ترتيبها وتصنيفها في المكان المخصص لها، مما ينتج عنه عدم معرفة وضعية العقار القانونية والمادية.
بالإضافة إلى عيب آخر هو أن هذه البطاقات تصاب بالرطوبة أو الغبار الذي يتراكم عليها مع مرور الوقت والذي يؤثر صحيا على العون المكلف بمسكها ([7]).
وقد أخذت كل من أستراليا، سويسرا، ألمانيا، الجزائر، العراق، لبنان، سوريا، المغرب، تونس، السعودية، وغيرها ([8])، بهذا النظام الذي يستمد جذوره من النظام الأسترالي المعروف بنظام تورنس (Acte Torrens).
ونظام الشهر العيني يقوم على دعامتين أساسيتين، هما: المسح العقاري والسجل العقاري وسنخصص لهما البندين التاليين:
....يتبع.....
إعداد: مختار بلبال



([1])  دروس في القانون العقاري، مرجع سابق، ص.79.
([2])  معجم القانون، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة، ط:1420ه-1999م، ص.107.
([3]) ينبغي الإشارة هنا إلى أن البطاقة العقارية هي المُعبر الحقيقي عن الوضعية القانونية والمادية للعقار وهي مطابقة للدفتر العقاري، بل في بعض الحالات تكون أكثر دقة في التعبير عن الوضع القانوني للعقار من الدفتر العقاري كحالة قيد الحجز الذي يتم بدون موافقة المالك الذي يوجد بحيازته الدفتر العقاري وليس من صالحه تسليم الدفتر إلى المحافظ العقاري، حيث يتم قيد الحجز فقط على البطاقة العقارية (المادة 50 من المرسوم 76-63 سالف الذكر).
 ([4]) حسين عبد اللطيف حمدان، مرجع سابق، ص.15.
([5])  ويس فتحي، مرجع سابق، ص.446.
([6])  حسين عبد اللطيف حمدان، مرجع سابق، ص.15.
([7])  يمكن -لتلافي هذا العيب-استعمال جهاز الحاسوب، حيث يمكن الاستغناء عن أسلوب البطاقات بأخرى رقمية، وما توفره هذه التقنية من ميزات : السرعة، الدقة، الصحة والربط عن طريق الشبكات وغيرها من الفوائد الضخمة، وهو ما تبنته مؤخرا المديرية العامة للأملاك الوطنية من خلال مشروع عصرنة نشاطات المحافظات العقارية (MACF).
([8])  حسين عبد اللطيف حمدان، مرجع سابق، ص.15.

تابعونا على

0 التعليقات :

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة - Copyright © 2014-2018 KORTOBA Promotion Immobilière
يتم التشغيل بواسطة Blogger.